نوبل وكارتر و”خلايا بلا بريكات”

أكتوبر 5, 2018

احتفل الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر مطلع هذا الأسبوع بعيد ميلاده الرابع والتسعين ولَم يكن مقدرا لكارتر أن يحيي هذه الذكرى وربما الثلاث التي سبقتها لولا العمل العبقري الذي قام به العالمان “النوبليان” الياباني تاسوكو هونجو والأميركي جيمس أليسون ونالا على إثره الجائزة المرموقة والتي تعتبر حلم كل عالم وباحث.
فقبل عصر ما بات يعرف بالعلاج المناعي لم يكن مقدرا لكارتر وللآلاف غيره من المصابين بسرطان الجلد الشرس أن يعيشوا سوى أسابيع قليلة أو بضعة أشهر على أحسن تقدير. لكن ها هو يدخل عامه الرابع بعد أن تم تشخيصه بهذا النوع من السرطان المنتشر إلى الكبد والدماغ حيث بينت الفحوصات التي أجريت له مؤخرا خلو جسمه تماما من المرض.
ترتكز الأبحاث التي أجراها العالمان وبصورة منفصلة على إعادة الاعتبار للجهاز المناعي للإنسان بحيث يتمكن من القيام بدوره المعطل بمهاجمة الخلايا السرطانية والقضاء عليها ,حيث اكتشفا البروتين الذي يؤدي وظيفة المكابح بالنسبة لجندي الجهاز المناعي ،أقصد الخلية من النوع “T” مما أدى الى اكتشاف أدوية تستهدف هذه المكابح وتقوم بتعطيلها لتفك أسر هذا الجندي وتحرر طاقاته.
فكرة استخدام الجهاز المناعي لمقاومة السرطان ليست بالجديدة حيث تم طرحها للمرة الاولى مطلع القرن الماضي لكنها لم تر النور إلا مطلع الألفية الثالثة على أيدي هونجو واليسون وعدد آخر من العلماء الذين لم ينالوا نصيبهم من التقدير والشهرة كما نال زميلاهم بعد إعلان فوزهم بجائزة نوبل للطب قبل أيّام .
بفضل هذه الاكتشافات حصل ملايين المرضى في جميع أنحاء العالم بما فيها بلدنا على فرص للشفاء ولو بصورة مؤقتة بانتظار فتح جديد يعطينا أملا جديدا بتحقيق انتصار في معركتنا مع هذا المرض المركب.
كغيره من الأدوية لم يكن العلاج المناعي بلا مشاكل كما يعتقد البعض فهذا المارد”الجهاز المناعي” وقد أطلق من قمقمه لن يفرق بين الصديق والعدو في الكثير من الأحيان مما يؤدي الى أعراض جانبية غير مرغوبة وقد تكون قاتلة كما أن كلفة العلاج المرتفعة جدا تشكل عقبة تحول دون وصوله الى أجسام الفقراء أفرادا ودولا حيث تتراوح كلفته ما بين 50-100الف دولار مما يجعل منه حلما بعيد المنال بالنسبة لفقراء العالم ومعوزيه.
كما لا يزال نجاح هذا العلاج بصورة مؤكدة مقصورا على أنواع محدودة من أنواع السرطان لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أهمها سرطان الجلد الشرس وسرطان الرئة وإن كان هناك إشارات إيجابية تؤشر الى احتمال توسيع مجال استخدامه إلى المزيد من أنواع السرطان لكن هذه الإشارات لم تبلغ مرحلة النضج بعد والأيام القادمة كفيلة بوضعها على محك التجربة العملية.
كما تقتضي الأمانة العلمية أن أنوه إلى بعض الممارسات المؤسفة التي بدأنا نشهدها من خلال التوسع من قبل البعض في وصف هذه الادوية لبعض المرضى دون الاستناد الى الدليل العلمي القاطع وبيعهم الوهم مستغلين جاذبية الاسم الذي يحمله هذا النوع من العلاج ونفور الناس من الادوية التقليدية وما يترتب على ذلك من كلفة مادية ونفسية باهظة .
لقد عبّد العلاج المناعي طريقا رابعا في علاج السرطان يضاف الى الطرق الأخرى التي سبقته وهي الكيماوي والجراحي والإشعاعي ورغم أنه قد بدأ بسحب البساط من تحت أقدام بعضها ولو جزئيا لكنه لن يكون بديلا عنها على الأقل في القريب العاجل فما زال يعاني من المطبات الكثيرة التي تعترض السائر عليه.