القطاع الصحي بين المألوف والطب الدقيق
نوفمبر 16, 2018
ينظم مركز الحسين للسرطان هذا الأسبوع مؤتمراً حول دور المعلوماتية في رعاية مرضى السرطان، وهو مجال حديث نسبياً ولكنه بدأ يكتسب المزيد من الاهتمام من قبل الدول والمراكز الطبية والبحثية، حيث يجمع في عنوانه ومحتواه بين المرض الذي اكتسب صفة كونه مرض العصر، وبين المعلوماتية التي أصبحت تضبط إيقاع العالم.
لقد تأخر القطاع الصحي كثيراً عن غيره من القطاعات في الاستفادة من القدرات الهائلة التي وفرتها المعلوماتية وعلم البيانات والذكاء الصناعي في سبيل الارتقاء بالرعاية الصحية وذلك لطغيان النظرة الكلاسيكية المحافظة في تقديم الرعاية الصحية حيث ينظر القائمون على هذا القطاع بشيء من الريبة لأي محاولة لكسر تقاليده العريقة متعللين بخصوصية الخدمة التي يقدمونها.
لكن تحت ضغط الكم الهائل من المعلومات القادمة من بيانات المرضى، وتحليل الجينات البشرية وتلك المستقاة من الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي أدرك العلماء و صانعو القرار أهمية الاستفادة من هذه الفرص لإحداث فرق في التنبؤ بالمرض وتشخيصه مبكرا وعلاج المرضى بدقة عالية وكلفة معقولة.
أصبحنا اليوم نتحدث عن الطب الشخصي والطب الدقيق وهي الطرق الحديثة في الطب والتي قامت بتثبيت أقدامها في العملية العلاجية من خلال توجيه العلاج الأنجع إلى المريض الذي يناسبه بعيداً عن الطرق التقليدية والتي تعتمد إلى حد كبير على “مقاس واحد يناسب الجميع” كما ساهمت البيانات المستخرجة من خلال تحليل الجينوم البشري في تصميم تدخلات دقيقة وموجهة من أجل الوقاية والتشخيص المبكر للأمراض المختلفة وعلى رأسها السرطان.
لا يخفَى على أحد مقدار الهدر الذي يعتري الرعاية الصحية من خلال العديد من الأنشطة التي لا تعود بالنفع على المرضى وما ينتج عنها من هدر مالي وهدر للوقت والموارد، لذلك كان لزاماً علينا الاستفادة من المعلومات التي يوفرها علم البيانات والذكاء الصناعي في الحد من هذا الهدر وزيادة الانتاجية وكسر ثقافة “الصومعة” المنتشرة في القطاع الصحي لصالح الأنظمة المتناغمة والمترابطة والتي تتعامل مع العملية العلاجية كنظام واحد متناسق.
لا شك ان هناك الكثير من الإشكالات التي ما تزال تواجه علم البيانات الطبية مثل خصوصية وسرية المعلومات وملكيتها ودقتها وكيفية التخلص من الشوائب العالقة بها وهذا مجال هائل للبحث والتمحيص من قبل العلماء وخبراء القانون والأخلاق الطبية.
قطعا ستغير المعلوماتية والبيانات وجه الرعاية الصحية وستكسر الكثير مما كنا نظنه مسلمات مثلما غيرت وجه قطاعات أخرى، ومن يتأخر عن الالتحاق بالركب قد لا تتسنى له الفرصة لفعل ذلك في المستقبل.