علاقة آثمة

ديسمبر 29, 2018

اهتز الوسط الطبي والعلمي وخاصة العاملين في مجال أبحاث وعلاج السرطان على وقع الاعلان عن كشف علاقة تضارب مصالح ارتبط بها المدير الطبي لمستشفى “ميموريال سلون كيتيرينج” في الولايات المتحدة والذي يعتبر أحد أهم مراكز السرطان على مستوى العالم مع العديد من شركات الأدوية، حصل من خلالها على ملايين الدولارات، ما أثر على نزاهة أبحاثه الطبية التي قام بنشرها في العديد من المجلات المرموقة ومنها “نيو انغلاد جورنال” و”لانسيت”.
لقد أعادت هذه الحادثة إلى الواجهة النقاش المعقد حول العلاقة غير الشرعية التي قد تربط بعض الأطباء والباحثين بشركات الأدوية، ومدى تأثير وسطوة الاخيرة من خلال المال المشبوه على مسار الابحاث الطبية ونتائجها. لا شك ان هذه الحادثة ستلقي بظلالها القاتمة على مصداقية الابحاث الطبية وسمعتها لفترة طويلة وذلك لخصوصية الشخص المتورط فيها وعراقة المؤسسة التي ينتمي اليها.
فرغم القوانين المشددة التي تتخذها الولايات المتحدة وغيرها من الدول لمحاولة ضبط العلاقة بين شركات الادوية والباحثين إلا أن احدى الدراسات قد خلصت الى أن أكثر من ثلث الباحثين لديهم ارتباطات بصورة أو بأخرى بشركات الأدوية، كما ذهبت المجلة الطبية الاميركية قبل سنوات الى أن حوالي 60 % من رؤساء الاقسام في المستشفيات التعليمية لديهم علاقة قد يترتب عليها تضارب مصالح مع شركات الادوية وهذا ما ايدته دراسة اخرى لنفس المجلة خلصت الى ان حوالي 40 % الباحثين قد تلقوا هدايا من شركات الادوية.
في العام 2005 صوتت لجنه من الخبراء مشكلة من قبل مؤسسة الغذاء والدواء الاميركية لصالح ابقاء ثلاثة من الادوية المستعملة في علاج الالم قيد التداول رغم الادلة على تسببها بالنوبات القلبية عند بعض المرضى ليتبين لاحقا ان عشرة اعضاء من اصل اعضاء اللجنة الـ33 لديهم علاقة مالية مع الشركات المصنعة.
تؤدي العلاقات المادية بين شركات الادوية والباحثين الى تضخيم الفوائد المرجوة من الادوية قيد الدراسة والتغاضي عن نتائجها السلبية والتأخير المتعمد في نشر النتائج السلبية.
لا شك ان للعلاقة بين شركات الادوية والمؤسسات الطبية والبحثية العديد من الفوائد مثل اكتشاف ادوية جديدة ووضع المقدرات التكنولوجية الهائلة التي تمتلكها هذه الشركات في خدمة الباحثين وتوفير الاموال اللازمة لإنجاز الابحاث. لكن هذه العلاقة في غياب الحوكمة والرقابة قد تتحول الى علاقة غير مشروعة او زواج متعة على حساب الحقيقة العلمية يكون ضحيتها المريض.
لا بد من وجود قوانين وأنظمة صارمة تحكم العلاقة بين شركات الادوية والوسط الطبي تعمل على سد الثغرات التي يمكن ان ينفذ منها ضعاف النفوس كي لا يفقد الناس ثقتهم في كلا الطرفين فنظرية المؤامرة حاضرة بقوة في الوجدان الشعبي ولا داعي لتغذيتها من قبل القيمين على سمعة البحث العلمي.
بقي أن أنوه هنا الى أن الطبيعة البشرية يعتريها الضعف أمام المغريات ولا حصانة لشخص يمكن ان تضفيها عليه مهنته او الاحرف التي قد تسبق اسمه او حتى سمعته الحسنة او بعض سماته الظاهرية وإلا لما شرَع لنا رب العزة القوانين الناظمة لكافة مناحي الحياة.