فوضى الجينات
أبريل 5, 2019
بدأنا نسمع مؤخرا الكثير من القصص عن علماء يقومون بتعديل حمضهم النووي بغية اكتساب صفات جينية جديدة، فأحدهم أعلن عن سعيه إلى اكساب عضلاته المقدرة على النمو عن طريق التلاعب بالجين الذي يتسبب بتثبيط نمو العضلات، وآخر يدعي اقترابه من الحصول على ترياق الشباب عبر إزالة الجينات التي تؤدي إلى شيخوخة الخلايا وأعلن عن ثقته أنه سيكون بامكان البشر أن يعمروا ألف عام عبر هذه التقنية، وثالث يحاول أن يمنح عينيه رؤية خارقة تجعل زرقاء اليمامة تبحث عن حل لقصر نظرها.
لم يبدأ تطلع البشر إلى انتاج أنواع بشرية تتمتع بصفات خارقة من الناحيتين البدنية والعقلية حديثا من خلال علم الجينات وإنما كان هذا دأبهم منذ البدايات وهذا ما ادركه ابليس مبكرا حيث اختاره مدخلا مناسبا يوسوس من خلاله لابي البشر ملامسا لديه الضعف البشري أمام الاغراء بالخلود والابهة والسلطان الممتد، فالعمر البشري محدود والملك والقوة مصيرهما الزوال، لكن التطور المتسارع الذي بدأنا نشهده في السنوات الأخيرة في تقنيات التسلسل جعلت فحص العوامل الوراثية الكاملة في حالتي الصحة والمرض أمرا روتينيا وفي متناول أيدي العلماء والعامة من حيث سهولة التقنية وقلة الكلفة المالية مما أدى إلى الكشف عن عدد كبير من الجينات المسؤولة عن التغيرات الطبيعية والمرضية في جسم الإنسان.
لكن هذه الفتوحات الطبية لم تكن بلا ثمن، فقد حملت بين ثناياها معضلات أخلاقية كبيرة، مثل كيفية التعامل مع النتائج العرضية التي قد تنتج عن تحليل الجينات في ظل غياب أطر قانونية ودينية واضحة لتنظيمها مثل قضية اثبات أو انتفاء النسب أو التنبؤ بأمراض وراثية تصيب الأفراد والمجموعات العرقية مما قد يؤدي إلى التمييز ضدهم أو النظر اليهم نظرة دونية، أو محاولة انتاج إنسان “سوبرمان” خال من العيوب الجينية أو ضمان تفوق عرق ما وسيادته على الأعراق الأخرى.
فها هو أحد العلماء من جامعة لندن يحذر من التفرقة العنصرية في دراسة الجينات من خلال الاعتماد على النتائج المستخلصة من تحليل جينات الجنس الأبيض واعتبارها المرجع للأعراق الأخرى دون الالتفات إلى دراسة جيناتهم مما جعله يطالب بإلغاء ” عنصرية الجينوم “.
هناك فوضى عارمة في بعض تطبيقات علم الجينات تحاول الدول التعامل معها من خلال التشريعات لكن التسارع في هذا العلم يسبق بمسافات محاولات الدول التأسيس لضوابط قانونية واخلاقية تضمن الحيلولة دون نشوء نوع جديد من العنصرية الجينية ولجم بعض المغامرين الذين يسيرون على خطى ابليس ووسوسته الأولى.